عيونٌ في السماء، مرايا الفضاء التي تعكس المكالمات الهاتفية حول الأرض، وبوصلاتٍ ضخمة تساعدنا في العودة إلى المنزل، هذه فقط ثلاثةٌ من الأشياء التي تقدّمها الأقمار الصناعية لنا، وربما يكون عدم رؤيتنا لها سببًا لعدم تقديرنا لها جيدًا، لكن لا شك بأهمية الأقمار الصناعية في عالم اليوم.
تلعب الأقمار الصناعية دورًا حاسمًا في كل شيءٍ تقريبًا من البثِّ التلفزيونيّ والمكالمات الهاتفية العابرة للقارات إلى توقعات الأحوال الجوية والإنترنت، فما هو القمر الصناعي بالضبط، وكيف يعمل؟ دعونا نأخذ نظرةً عن قرب!
ما هو القمر الصناعي؟
ليس بالضرورة أن يكون القمر الصناعي علبة صفيح تدور في الفضاء (كما نعتقد)، فكلمة “قمر صناعي” هي أكثر تعميمًا من ذلك، حيث تعني كائنًا فضائيًا صغيرًا نسبيًا يدور في مدار حول كائنٍ أكبر منه، وعليه فإنَّ “القمر” هو قمر طبيعي للأرض حيث تُبقيه الجاذبية ضمن مداره حول الأرض، وعلب الصفيح التي نسميها أقمارًا صناعية هي صناعة بشرية تدور وفق مساراتٍ محسوبة بدقة سواءً دائرية أم إهليجية وعلى مسافاتٍ متفاوتة من الأرض ولكن حتمًا خارج غلافنا الجوي.
نضعُ الأقمار الصناعية في الفضاء للتغلب على الحدود الجغرافية المختلفة للأرض، حيث تساعدنا بالخطو خارج الأرض التي نحيا عليها، فلو أردنا أن نجري مكالمةً من القطب الشمالي فبإمكاننا إطلاق إشارةٍ نحو الفضاء لتعود نحو الوجهة المحددة مجددًا باستخدام قمرٍ صناعيٍّ مخصصٍ للاتصالات يعمل كمرآة لعكس الإشارة نحو الأرض.
وإن أردنا إجراء مسحٍ للمحاصيل أو لدرجات حرارة المحيط فيمكننا استخدامُ طائرةٍ لهذا الغرض، لكنَّ القمر الصناعي سيلتقط بياناتٍ أكثر وبسرعةٍ أكبر؛ لأنه أعلى وأبعد بكثير، بالمختصر فإنَّ الأقمار الصناعية تقدم لنا معلوماتٍ دقيقة عن داخل حدود أرضنا لأنها ببساطةٍ تكمن خارج هذه الحدود.
ما الذي تقدمه الأقمار الصناعية لنا؟
نميلُ لتصنيف مجموعات الأقمار الصناعية إما وفقًا لوظيفتها أو للمدارات التي تسلكها، على الرغم من كون هذين الأمرين مرتبطين نسبيًا حيث تحدد الوظيفة المنوطة بالقمر الصناعي كلًا من بعده عن الأرض وسرعته وأي مدارٍ سيتبع.
الاستخدامات الأساسية الثلاثة للأقمار الصناعية هي: الاتصالات، التصوير الفوتوغرافي، التصوير، والمسح العلمي، والملاحة.
الاتصالات عبر الأقمار الصناعية
تُستخدم أقمار الاتصالات بشكلٍ أساسيٍّ في إعادة بثِّ الموجات الراديوية (اللاسلكية) من مكانٍ ما على الأرض إلى مكانٍ آخر، حيث تُلتقط الإشارة الواردة إليها من محطةٍ أرضية، فتقوم بتضخيمها كي تمتلك الطاقة الكافية للمتابعة.
ومن ثم تعكسها نحو الأرض من جديد إلى محطةٍ أرضيةٍ في مكانٍ ما على الأرض، حيث يمكن لهذه الإشارة أن تنقل أي شيء يمكن للموجات اللاسلكية نقله على الأرض، من المكالمات الهاتفية وبيانات الإنترنت إلى بث الراديو والتلفزيون.
تتغلبُ أقمار الاتصالات بشكلٍ أساسيٍّ على مشاكل إرسال الموجات اللاسلكية والتي تُرسل بشكلٍ مستقيم حول كوكبنا المنحني(الإشارات القارية)، كما أنَّها مفيدة في الاتصال ضمن المناطق النائية حيث لا يمكن للاتصالات السلكية واللاسلكية الوصول.
فلإجراء مكالمةٍ عبر الخطوط الأرضية التقليدية (الهواتف السلكية)، فإننا نحتاجُ لشبكةٍ معقدةٍ جدًا من الأسلاك والمبدلات لإتمام دارةٍ كاملةٍ من المرسل وحتى المستقبل، وعند استخدامنا الهواتف النقالة فباستطاعتنا الاتصال في أي مكانٍ نلتقط فيه الإشارة.
بينما باستخدام هاتف الأقمار الصناعية فإننا نتحرَّرُ تمامًا من أيِّ بنيةٍ تحتيةٍ، ونملكُ حريةً جغرافية وتراسلًا فوريًا.
كيف تعمل أقمار الاتصالات؟، ما الذي تفعله؟
أقمار الاتصالات هي “مرايا فضائية” تساعدنا في عكس إشارة الراديو، التلفاز، بيانات الإنترنت، وأنواع أخرى من المعلومات من أحد جوانب الأرض إلى الجانب الآخر.
روابط الرفع وروابط التنزيل
إذا أردنا أن نرسل شيئًا كبث تلفزيوني من أحد جوانب الأرض إلى الجانب الآخر فهناك ثلاث مراحل لذلك: أولًا، هناك رابط الرفع (وصلة الرفع) حيث تُرسل البيانات لاسلكيًا نحو القمر الصناعي من محطةٍ على الأرض، ثم يعالج القمر الصناعي البيانات باستخدام عددٍ من المجاوبات (مستقبلات إشارة، مضخمات، ومرسلات).
مما يقوي الإشارة ويغير من ترددها بحيث لا تتشابكُ الإشارة الواردة مع الصادرة، وتُستخدم مجاوبات مختلفة على متن القمر الصناعي نفسه للتعامل مع محطات تلفزة مختلفة تُحمل على ترددات مختلفة، وأخيرًا هناك رابط التنزيل حيث تُرسل البيانات عائدةً من القمر الصناعي نحو محطةٍ أرضيةٍ في مكانٍ ما على الأرض.
على الرغم من وجود رابط رفعٍ واحد عادةً، إلا أنه في المقابل هناك ملايين روابط للتنزيل، كاستقبال العديد من الناس إرسالَ القمر الصناعي نفسه في وقت واحد، وفي حين يمكن لقمرِ الاتصالات عكس الإشارة بين مرسلٍ ومستقبل، فإنَّ البث الفضائي عبر الأقمار يتضمن عادةً رابط رفع واحد (لأحد القنوات الفضائية) والعديد من روابط التنزيل (نحو المحطات الأرضية أو لواقط التلفزيونات الفردية).
تتألف الأقمار الصناعية كأيِّ مركبة من الجزء الرئيسي وهو المركبة نفسها، والجزء المحدَّد الذي تحمله لأداء العمل المخصص له (الحمولة).
يُسمى الجزء الرئيسي (الحافلة) وهو يتضمن الصندوق الخارجي، الألواح الشمسية والبطاريات التي تؤمِّن الطاقة، القياس عن بعد (نظام تحكم عن بعد يرسل البيانات المرصودة من القمر الصناعي وأوامر التشغيل بالاتجاه المعاكس)، الدوافع الصاروخية لإبقائه في مساره، والمواد العاكسة وأنابيب الحرارة لحماية القمر الصناعي من الإشعاعات الشمسية ولتبديد الحرارة؛ بينما تتضمن (الحمولة) مجاوبات لقمر الاتصالات، كمبيوترات، وساعات ذرية لتوليد إشارات الوقت لأقمار الملاحة، وما إلى ذلك.
تسلم الايادي يا غالي
ردحذفالله ينور عليك